أوباما بين رمزية الكلام وواقع التعامل مع المسلمين
|
باراك أوباما |
منقبل أن يلقي أوباما كلمته التي وعد بتوجيهها إلى العالم الإسلامي بلغالكلام المسبق حولها مبلغا لم يترك مجالا لمزيد، ما بين مبالغات جعلت من"اليوم الموعود" وكأنه يستحق تتويجه لتأريخ بداية عصر جديد كما حاول سلفهبوش الابن أن يصنع بيوم التفجيرات في نيويورك وواشنطن، ومبالغات أخرىاستبقت إلقاء الكلمة لتأكيد خوائها، سواء كان ذلك من منطلق الإفصاح عماقيل إنه نصها المكتوب سلفا، أو من حيث مقارنة الكلام المحتمل بممارساتمرئية لا تشير إلى حدوث تغيير حقيقي في السياسات الأمريكية يتعدى حدودالكلام.
التغيير مطلوب قبل المبادرات الرمزية
المؤكد أن علاقات الولاياتالمتحدة الأمريكية بالعالم الإسلامي تحتاج إلى أفعال تغييرية ملموسة، وليسإلى أقوال مهما كان مضمونها، ولو بقي باراك أوباما في واشنطن ومارس سياسةجديدة ظهرت آثارها على أرض الواقع، لأصبح للكلمة التي يوجهها -بعد ذلك-إلى العالم الإسلامي من أي مكان في الأرض قيمة حقيقية، أما الآن فستبقىقيمتها رمزية ضعيفة، ولعل إدراك ذلك يضاعف الحرص على تسليط الأضواء عليهاوإحاطتها بهالة رمزية ضخمة، تواري الافتقار إلى سياسات تغيير حقيقي علىأرض العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي.
لا مانع في الأصل مناستخدام السياسة للمبادرات الرمزية، وحشوها بالعبارات المثيرة، واختيارالمكان الملائم لتوجيهها، وإحاطتها بحيل الإثارة والتشويق كفيلم سينمائي،وتوظيف الإعلام ليكون لها مفعول يخدم هدفها، ولكن جميع المبادرات الرمزيةتموت سريعا، وقد ينقلب أثر التفاؤل الذي تصطنعه إلى خيبة أمل كبيرة، فتسببنقيض المطلوب منها، ما لم تقترن بالأفعال المعبرة عن مصداقيتها.
هذا ما يسري على شعار"التغيير" فيما يرتبط بالعلاقات مع العالم الإسلامي، مما يدفع إلى التساؤلبمناسبة "الكلمة الموعودة": هل يمكن أصلا إلقاء نظرة موضوعية تحليلية على"حجم التغيير" الموعود في سياسات أوباما ومجالاته وتفاصيله، إذا كان هذاالتغيير محصورا بمبادرات رمزية ومفتقرا إلى ممارسات مرئية؟.. ثم كيف ينبغيأن يكون موقف العالم الإسلامي على ذلك؟..
إن فيما قدمه أوبامالشركائه في حلف شمال الأطلسي ما ينطوي على عروض جديدة أثقل بوزنها السياسيمن الكلمات الودية، وإن فيما قدمه أوباما لروسيا والصين، وحتى لكوباوأمريكا الجنوبية، ما بدأ يتخذ أشكالا مبدئية تختلف عما خلّفه أسلافه منموروث سياسات المواجهة والعداء، ورغم ذلك لا يزالون في ردود فعلهم على"سياسته الجديدة" بانتظار أن تتخذ تلك العروض شكلا واضحا على أرضيةالتطبيق العملي، فما الذي ينبغي أن يكون عليه الموقف العربي والإسلامي إذنمقابل التركيز على عناوين رمزية، دون "سياسات" جديدة أصلا، ناهيك عنممارسات عملية، إلا في إطار إضافة الوقود على الحرب في أفغانستان وتوسيعهاإلى باكستان؟..
لهذا نجد أنفسنا مقابل كثرةما كتب وقيل عن "كلمة أوباما" أمام السؤال -شئنا أم أبينا- عن إمكانية"مناقشة" ما يعرضه أوباما على العالم الإسلامي وعن جدوى النظر فيه، ما دامخاليا من عناصر واضحة جديدة وجديرة بالنقاش، وهي لا تتجاوز -مهما بذلنا منجهد لتحديد معالمها- أطياف "رؤيا" هيولية، تذكر برؤيا سلفه بوش الابن فيالعام الأول من رئاسته عن "دولة" فلسطينية!.
هل أوباما عاجز عن التغيير؟
لا يصح هنا ما يميل إليه بعض الأقلام من مقولات محورها عدم مطالبة أوباما بأكثر مما يستطيع، لأسباب عديدة، منها:
أولا: كان الرئيس الأمريكيأوباما أسرع من أسلافه في التحرك العملي في الميادين التي صمم على التغييرفيها، كما تشهد خطواته على صعيد الحد من التسلح النووي، كما تشهد محادثاتهالمبدئية مع موسكو والاختراق الأول المتحقق منذ 12 عاما في مفاوضات مؤتمرالأمم المتحدة في جنيف.. وكذلك على صعيد حماية البيئة والمناخ داخلالولايات المتحدة الأمريكية، وجميع ذلك رغم مراكز القوى الكامنة وراءصناعات السلاح والطاقة.
ثانيا: على صعيد العالمالإسلامي تحديدا، وبذريعة مكافحة الإرهاب، عمد أوباما على الفور إلى تصعيدالحرب في أفغانستان، وسعى سعيا حثيثا لنقلها إلى باكستان، ولم تمنعه عنذلك التكاليف الإضافية الباهظة رغم الأزمة الرأسمالية الطاحنة.
ثالثا: صحيح أن مطالبالعالم الإسلامي المشروعة تجاه الولايات المتحدة الأمريكية والغرب كبيرةوكثيرة، ولكن هذا (أ) لا يلغي مشروعيتها، وبالتالي (ب) لا ينبغي الامتناععن تأكيدها، كما أنه (ج) لا يعود حجمها ولا كثرتها إلى عدم واقعيتها، وفقما يروق لبعض الأقلام ترويجه، إنما تعود ضخامة المطالب إلى حقيقة أنهاتنبثق عن حصيلة ما راكمته عقود وعقود متوالية من أثقال بالغة الخطورةوالأثر من صنيع السياسات الأمريكية والغربية، العدوانية عسكريا،والاستغلالية اقتصاديا، والمتطاولة باستمرار في ميادين القيم والأخلاقوالتربية والثقافة وما يرتبط بها اجتماعيا.
إن المسئولية عن الخللالكبير الراهن الذي يوجب الإلحاح في مطالب العالم الإسلامي تجاه واشنطن،هي مسئولية تلك السياسات الأمريكية التي بدأت بما شاع وصفه بالغزوالاستعماري على كل صعيد وليس عسكريا فقط، ووصلت في نهاية المطاف إلىتصعيده عسكريا دون أن تنقطع أشكاله الأخرى.. فما الذي يعرضه أوباما مقابلهذا الخلل الكبير والمطالب الكبيرة؟..
الاستمرارية تبتلع شعار التغيير
كلمة "التغيير" التي أعلنهاأوباما شعارا لسياساته، لا يمكن أن تقتصر فيما يتعلق بالعلاقة مع العالمالإسلامي على تغيير جزئي بسيط، ولا نراه في الاتجاه الإيجابي، كما لا تصحمحاولات إيجاد الأعذار له مسبقا من قبيل أنه لا يحكم فردا بل من خلالمؤسسات، وأنه لا يستطيع صنع ما قد يريد صنعه دفعة واحدة وإن حسنت نواياه؛فعلاوة على عدم صحة ذلك على إطلاقه كما تشير الأمثلة السابقة، يبقى أن هذهمشكلة الولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها، وليست مشكلة ضحايا سياساتهاوممارساتها، وليست قطعا مشكلة العالم الإسلامي وشعوبه ودوله، كي تتبنىجهات عربية وإسلامية البحث عن أعذار للرئيس الأمريكي.
هذا علاوة على أن الفارقكبير بين الإعلان عن هدف بعيد مثل إنهاء الهيمنة والامتناع عن دعمالاستبداد، ثم التحرك مرحليا نحو تحقيقه (وهذا ما لم يعلنه أوباما تجاهالعالم الإسلامي) مما قد يستحق لو حصل شيئا من التريث والانتظار، وبينمجموع ما طرحه أوباما حتى الآن، وقد ركب في معظم ميادينه مركب استمراريةما سبق صنعه على أيدي أسلافه، ولكن مع محاولة صنعه بإخراج جديد، وهذابالذات ما سبق لأسلافه أن صنعوه، وهو ما يستحق الرفض القاطع مع المطالبةبتغيير حقيقي!..
إن الانسحاب السريع نسبيامن العراق كان الوعد الذي ساهم إسهاما رئيسيا في وصول أوباما إلى السلطة،ولم يمض عليه أسبوع رئيساً إلا ونكص على عقبيه ليتبنى ما خلفه سلفه تحتعنوان "اتفاقية أمنية"، مستفيدا في ذلك من تبدل اهتمامات الناخب الأمريكيبسبب الأزمة الرأسمالية المتفاقمة، وسيان بعد ذلك ما ينتظر العالمالإسلامي منه أو ما يفرضه واقع احتلال العراق وضرورة إنهائه دون قيد أوشرط.. ناهيك عما لا يراد التفكير به أصلا وليس طرحه فحسب، من تعويض العراقعلى ما لا يمكن تعويضه، من ضحايا الحرب بشرا وإنجازات وثروات!..
وإن إغلاق جوانتانامو علىالفور لتخفيف تلطيخه للسمعة الأمريكية أكثر من سواه، كان وعدا انتخابياآخر، ومرت الأسابيع الأولى فبدأ تمييع أسلوب التنفيذ ووضع الاستثناءات،لتبقى الحصيلة في حدود ما قد يحل المشكلة في الداخل الأمريكي، وليس علىصعيد أبعادها الإنسانية والقانونية والسياسية والدولية، ناهيك عما تعنيهكلمة عدالة أو كلمة حقوق لمن أصابهم وباء التعذيب والظلم في جوانتانامووأبو غريب وانكشف أمره وفي المعتقلات السرية الأخرى.
وإن أفغانستان التي خلف بوشالابن حربه وحرب حلف شمال الأطلسي فيها على حافة الهزيمة مع محاولاتمبدئية لإيجاد مخرج من الهزيمة عبر التفاوض مع طالبان، تحولت خلال فترةوجيزة لوجود أوباما في السلطة إلى حربين في أفغانستان وباكستان معا، فشهدتالمنطقة إضافة ملايين آخرين من المشردين وما لا ينقطع من الضحايا المدنيينوالمسلحين وما لا يكاد يمكن حصره من التدمير.
ويمكن المضي قدما في تعدادالأمثلة من السودان والصومال ولبنان وسواه، وجميعها لا تشهد تغييرا بلاستمرارية السياسات الأمريكية بإخراج جديد.
ما الذي بقي من التغيير بعد ذلك؟..
هل هو التعامل مع إيران بأسلوب آخر؟..
أليس من شأن هذا الأسلوبالذي بدت ملامحه الأولى بالظهور، أن يوجد في العالم الإسلامي بؤرة جديدةلنزاع لا يستطيع أحد استشراف مداه وعواقبه في المستقبل المنظور والبعيد؟..
بوابة فلسطين لا تفتح بتصفية القضية
قضية فلسطين بالذات وهيالقضية المصيرية المحورية في العالمين العربي والإسلامي، والقضية الأكبروالأكثر وضوحا من حيث حجم الظلم التاريخي الواقع على صعيدها على امتدادالقرن الميلادي العشرين، هي القضية التي يريد أوباما في اليوم الموعودلكلمته أن "يقول" إنه يضعها في الصدارة من اهتماماته، وأن "يقول" إنه يطرحمن خلالها ما يظن أنه البوابة الضرورية إلى تغيير ما استقر لدى عامة العربوالمسلمين من صورة عدوانية أمريكية على امتداد العقود الماضية.
ولكن من قبل اليوم الموعود لكلمة أوباما بدأ التمهيد من جانبه للحديث:
- عن "حقبة" زمنية أخرى من الجهود المرحلية..
- وعن ضرورة مراعاة ظروف التطرف المتزايد في الحكومة الإسرائيلية بإعطائها "فرصة زمنية" أخرى لتخفيف حدة تطرفها..
- والتلميح والتصريح بصددما يراد انتزاعه من الطرف الفلسطيني والعربي، علاوة على كل ما سبق انتزاعهفي دروب التصفية الجائرة، لا سيما في "حق العودة" و"مستقبل القدس"..
- ثم يبقى أقصى المنتظرفيما لو زال التطرف الإسرائيلي الجديد، هو تبني ما سبق تثبيته من قبل فيظل التطرف الإسرائيلي المزمن، وفي ظل الانحياز الأمريكي المزمن، وهو مااتخذ عنوان خارطة طريق، لقيام دويلة فلسطينية مقيدة على كل صعيد، ومعتحويل ذلك من إطار عام حول هدف عائم، إلى إطار عام حول مفاوضات عائمة.
إن الحقبة الجديدة والفرصةالزمنية الجديدة تعني عند أوباما أربع سنوات أخرى إلى أن يحقق ما تقول بهخارطة الطريق التي ورثها عن سلفه، وليشهد مجرى تصفية القضية إذن مسلسلاآخر من المفاوضات، والمساومات، والاعتداءات، إضافة إلى حصار المقاومةوتدمير بنيتها التحتية -لو استطاعوا- وحصار شعب فلسطين وكسر إرادته -لواستطاعوا- ثم لا يوجد ضمان واحد لتنتهي السنوات الأربع بالفعل حتى إلى ذلكالأقل من القليل الذي تذكره خارطة الطريق!
ولا أحد يستطيع التنبؤ الآنبما سيطرحه أوباما في نهاية مطافه بالقضية لسنوات أربع أخرى، ويمكن أنيكون مؤتمرا ما على غرار "مؤتمر أنابوليس" كما صنع بوش الابن!..
هل يختلف أوباما في ذلكاختلافا يستحق الذكر عن سلفه الذي بدأ عهده بطرح عنوان "حل الدولتين"شعارا "مغريا" لمن لا يرون مستقبلا لقضية فلسطين إلا عبر واشنطن، ثم انتهىذلك العهد إلى تقويض البقية الباقية من سلطة فلسطينية، وأرض فلسطينية،ووحدة وطنية فلسطينية.. إضافة إلى ما لا يحتمل من المعاناة الإنسانيةللشعب بأكمله؟..
إن تعامل أوباما مع قضيةفلسطين ووضعها في إطار التوجه الكلامي بخطاب "معسول" إلى العالم الإسلامييعني على ضوء ما سبق إيجاد أجواء عامة، سياسية تجد من يتبناها إقليميا،وإعلامية تجد من يروجها إقليميا، لقطع مرحلة حاسمة وخطيرة أخرى نحو تصفيةالقضية على حساب الحق والعدالة، مع تصوير ذلك تزويرا وكأنه "نصر" للعربوالفلسطينيين، قد تحقق بفضل "ضغوط" أوباما على الإسرائيليين!..
هنا يختلف أوباما عن سلفه فعلا، فهو أشد خطورة منه على القضية المصيرية الأولى في العالم الإسلامي.
كلمة العالم الإسلامي إلى أوباما
من لا يستمع لا يملك حق الكلام.
وإذا أراد أوباما أن يستمعالعالم الإسلامي إلى كلمته، عليه هو أن يستمع إلى ما يريده العالمالإسلامي أولا. وليس العالم الإسلامي شيئا هلاميا أو خياليا - أو أسطورياعلى حد تعبير أحد الصحفيين الأمريكيين- وإلا فعلام يأخذ منذ قرون الحيزالأكبر من المخططات الغربية، مؤامراتٍ ساهمت في تجزئته، وحروباً ساهمت فياستعدائه، وهيمنةٍ على الثروات ساهمت في تخلفه، وممارسات متوالية من مستوىتدبير اغتيالات وانقلابات حتى مستوى تنصيب مستبدين وأتباع إلى درجة عملبعضهم لحساب المخابرات المركزية الأمريكية، فضلا عن جهود لا تنقطعللانحراف بالشعوب بعيدا عن العقيدة والقيم والأخلاق التي صنعت حضارتهاوصاغت شخصيتها المتميزة في الأسرة البشرية؟..
يجب أن يعلم أوباما وسواه من المسئولين الأمريكيين والغربيين:
ليس العالم الإسلامي شبكةمن أنظمة حكم تنحصر قيمتها عند الغرب في ولائها له، ولا شبكة قواعد عسكريةغربية وأنابيب نفطية وأسواق استيراد استهلاكية ومشاريع استثمارية.. بلالعالم الإسلامي شعوب ودول، وقضايا ومآس، وطاقات وإنجازات، وتاريخومستقبل، وحضارة مضت وحضارة قادمة في مسلسل دورة الحضارات في تاريخالبشرية.. وهو في المرحلة الراهنة بالذات علاوة على ما سبق مقاومة متناميةحجما وقوة وانتشارا وصمودا وإنجازا، وهو أيضا إرهاصات حضارية واعدة تؤكدأن النهوض والتقدم أصبحا مسألة زمن، وأن العدوان الخارجي لا يمثل في هذاالإطار سوى "عراقيل" يجب تجاوزها ويمكن تجاوزها.
إذا أراد أوباما أن بتحدثإلى العالم الإسلامي فليستمع إليه أولا.. ولن يستمع إليه عبر لقاءات رسميةومحادثات، وزيارات متبادلة ومؤتمرات، بل عندما يستوعب أن العالم الإسلامييتحدث بنفسه عن نفسه:
- يتحدث بما يشهده من حروبونزاعات ومن مشكلات التجزئة والتخلف ومن مآسي الحصار والتشريد.. وقد أصبحصنع ذلك بمختلف السبل من النقاط الدائمة في جداول أعمال الدول الغربية ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية.
- ويتحدث عبر أرقام الضحايامن مدنيين ومقاومين ومقاتلين، في أفغانستان وباكستان، وفي فلسطينوالصومال، وفي البلقان ولبنان، وما كانت اليد الأمريكية غائبة عن أي ساحةمن هذه الساحات، ولا تستطيع السياسات الأمريكية التبرؤ في أي موقع من تلكالمواقع مما ارتكبته مباشرة أو عن طريق من تدعمهم دون انقطاع، سواء كانواأمراء حرب أو أنظمة مستبدة أو فئات تصنع على عين المخابرات الأمريكية ممايوصف بالطابور الخامس داخل بلدانها.
- ويتحدث عبر مثلث العلاقاتما بين الشعوب ومعاناتها، والفئات المهيمنة حكما وثروة وفسادا، والقوىالغربية بزعامتها الأمريكية وما تصنعه تحت عنوان "مصالحها القوميةوالأمنية"!..
إن العالم الإسلامي لايحتاج إلى من يلقي كلمة في واشنطن "يشرح" فيها ما يطالب به أوباما، فساسةواشنطن أعلم بأنفسهم وبممارساتهم على حساب دوله وشعوبه، من قبل النكبةالأولى بفلسطين حتى النكبات الحالية ما بين باكستان والصومال.
والعالم الإسلامي لا يوجه"كلمة" إلى الرئيس الأمريكي، فما يريده عبارة عن مطالب وحقوق مشروعة، فكماينطق بها لسان حاله وواقعه، ينطق بها أيضا لسان الصمود والمقاومة فيه،وليس في هذه المطالب مطلب غير مشروع.. ليس فيها ما يفضي إلى احتلال أرضأمريكية، أو تأخير الانسحاب بعد احتلال سبق، أو الاستيلاء على ثروة فيها،أو اعتقال بشر من أهلها وتعذيبهم، أو دعم حاكم مستبد أمريكي.. إنما تدورمن أولها إلى آخرها حول محور واحد، أن تكف الولايات المتحدة الأمريكية عنالعدوان الباطل.. ترسيخا لاغتصاب الأرض والتاريخ والمستقبل كما فيفلسطين.. أو تدميرا وتقتيلا كما في العراق وأفغانستان.. أو تمزيقا وتفتيتاكما في باكستان والسودان والصومال.. أو نشرا للفوضى الهدامة كما في معظمبلدان العالم الإسلامي.
المطلوب أن تكف السياساتالأمريكية عن ربط متطلبات "الأمن القومي الأمريكي" بالوجود الأمريكيالمهيمن في العالم الإسلامي، على بره وجوه ومائه، وعلى دوله وشعوبه، وعلىثرواته وقضاياه، مع الاستهتار بأمن العالم الإسلامي نفسه، سواء كان أمندولة من الدول، أو أمن شعب اغتصبت أرضه وشرد، أو أمن إنسانية إنسان بريءفي معتقل جوانتانامو وأمثاله.
إن ما تمارسه السياساتالأمريكية عدوان غير مشروع بكل مقياس من المقاييس، والمطالبة بالكف عنهمطلب مشروع بمختلف المقاييس.. ولا يمكن أن يستمر على حساب العالم الإسلاميوأهله، على حساب حرية الأوطان، وسيادة الدول، وإنسانية الإنسان.. بلستوقفه مقاومة العالم الإسلامي إن لم توقفه السياسة الأمريكية.
والمطلوب من أوباما هنا أن يغير.. لا أن يتكلم.
ليستمع أوباما إلى العالمالإسلامي كي يستمع إليه، شريطة أن يتحدث بعد أن يعمل، وأن يصنع تغييرا لاأن يكرر ما صنع أسلافه، وإلى ذلك الحين لن يجد في العالم الإسلامي شعوباتستمع إليه، سواء تحدث في واشنطن أو في القاهرة أو في أي مكان من الأرض.
ولئن كان الرئيس الأمريكيفي حاجة إلى "نصيحة" فعليه أن يلتفت ومن معه إلى الولايات المتحدةالأمريكية لإخراجها من حصيلة سياساتها العدوانية تجاه العالم الإسلامي،فليست هذه الحصيلة في صالحها الآن، ولن تكون في صالحها في المستقبل القريبأو البعيد.
0 التعليقات:
إرسال تعليق
شارك برأيك