خطاب أوباما بين السحر والحقيقة
|
أوباما موجها خطابه للعالم الإسلامي |
خمسوندقيقة كانت كافية كي يلمس فيها باراك أوباما قلوب وعقول الملايين فيالعالم العربي والإسلامي، ولكنها قد لا تبدو كافية لمحو الإرث الثقيلللمحافظين الجدد وما فعلوه خلال السنوات الثماني الماضية بقيادة الرئيسالسابق جورج دبليو بوش. وقد كان الهدف الرئيسي لأوباما هو طيّ صفحة الحاديعشر من سبتمبر 2001، وفتح صفحة جديدة مع العرب والمسلمين، فهل يكفي الخطابوحده؟
تحليل الخطاب
"أمريكا تتغير"، هذا ماحاول أوباما أن يقوله في خطابه للعرب والمسلمين. وقراءة سريعة لمضمونالخطاب تكشف أنه كان خطاباً تصالحياً مع العرب والمسلمين، وهو ما يمكناستكشافه بسهولة من عبارته التي سيسجلّها التاريخ باسمه وهي أن "الولاياتالمتحدة ليست في حرب مع الإسلام". وكان ملفتاً أن الرئيس أوباما لم يستخدمكلمة "الإرهاب" مطلقاً في ثنايا خطابه، وعندما تحدث عن تنظيم "القاعدة"استخدم كلمة المتطرفين والمتشددين وليس الإرهابيين.
وبوجه عام فقد قامت بنيةخطاب أوباما علي أربعة أعمدة رئيسية أولها تجنُّب استخدام أي كلمات تنتميللعهد البائد للرئيس السابق جورج بوش سواء فيما يخص المواجهة معالمتشددين، أو فيما يرتبط بالعلاقة مع العالم الإسلامي. ثانيها يتعلقبوضوح الخطاب وشموله، فقد كان أوباما واضحاً في لغته، حازماً في لهجته،صريحاً في كلماته. فهو لم يستخدم عبارات أو كلمات تُبطن عكس ما تُظهر، أوتقبل التأويل والتحوير حسب رغبة المتلقي ومصلحته. كما نجح الخطاب فيالتعرض لكافة القضايا التي تهم العالم الإسلامي بدءاً من أفغانستانوباكستان مروراً بالعراق وإيران، وانتهاء بإسرائيل والفلسطينيين، دونإغفال دارفور والأقباط وحقوق المرأة والأقليات ودعم الديمقراطية.
ثالثها: يتعلق بسقف الخطابوما قد يؤدى إليه، وهنا كان أوباما واقعياً كما هي عادته في وضع النقاطعلي الحروف. فهو قال حرفياً أن خطابه لن يغير ميراث سنوات وعقود من التوتروالتعصب والعداء بين الغرب والعالم الإسلامي، ولكنه أيضا أكد أن خطابهيمثل صفحة جديدة في العلاقة بين الطرفين، وأن ثمة جهودا مطلوبة من أجلالبناء علي هذا الخطاب وفقاً لشعاره الشهير "احترام متبادل، ومصالحمشتركة".
رابعها: يتعلق بروح الخطاب،وأظن أنها كانت روح حضارية تسامحية تسعي للبحث عن المشترك الإنساني لدعمهوالبناء عليه، والابتعاد الصريح عن فخ "صراع الحضارات". وهو ما تجاوزهأوباما بشكل عبقري حين أشار إلي دور الإسلام في إثراء الحضارة الغربية،مشيداً بمآثر ومنتجات العقل العربي والإسلامي علي مدار القرون الخمسةالماضية، ودورها في النهضة الأوروبية. كما كان الخطاب خالياً من جرعاتالغطرسة والكبرياء التي كانت تحتويها خطابات جورج بوش الابن.
تقييم الخطاب
يختلف تقييم الخطاب بحسبالمتلقي وتوقعاته، وهو قطعاً لم يرض كافة الأطراف، وإن كان الانطباع العامأن الخطاب كان متوازناً وموضوعياً. وخروجاً من دائرة الجدل حول ما إذا كانالخطاب يطرح جديداً أم أنه مجرد تغيير في الأسلوب واللغة، يمكننا تقييمخطاب أوباما من خلال القياس علي ثلاثة أمور، أولها هو الوضع قبل الخطابوبعده. أو بالأحرى قبل وصول أوباما للسلطة وبعدها. وهنا لا جدال في أن ثمةاختلافاً هيكلياً حدث خلال الشهور القليلة الماضية، سواء لجهة المحتوىالفكرى والسياسي الذي يتبناه أوباما عن سلفه جورج بوش أو لجهة الأدواتالتي يعتمد عليها أوباما والتي تقوم علي الدبلوماسية والشراكة الدوليةوالتعاون الإقليمي وليس الإقصاء والقوة العسكرية والاستعلاء. وأعتقد أنجزء مهم من ارتفاع سقف التوقعات لدي الشعوب العربية والإسلامية جاء عطفاًعلي الإرث الثقيل لجورج بوش والمحافظين الجدد في العالم الإسلامي والذيأثار، ولا يزال، شكوكاً حول قدرة أوباما علي التخلص منه بسهولة.
الأمر الثاني هو اللغةالمستخدمة في الخطاب ومفرداتها، وهي قطعاً لغة مختلفة ومغايرة سواء لجهةالألفاظ المستخدمة في توصيف العلاقة بين العالم الإسلامي وأمريكا، أو لجهةما تحمله من دلالات وإيحاءات سياسية. وهنا يمكن القول أن كلمات مثل "حروبصليبية، محور الشر، الإرهابيين، القوة العسكرية، الضربات الوقائية،المواجهة ... إلخ لم يعد لها وجود في القاموس السياسي الأمريكي وتماستبدالها بكلمات أخرى تحض علي الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. وقداستخدمت كلمة الشراكة بمشتقاتها 13 مرة في وصف العلاقة بين الولاياتالمتحدة والعالم الإسلامي وذلك فيما يخص القيم والمبادئ والطموحاتوالتحديات ... إلخ.
الأمر الثالث يتعلق بالهدفمن الخطاب، وهنا يمكن القول بأن أوباما كان يهدف بالأساس إلي تحقيق أمرينأساسيين من خطابه أولهما هو إحداث نقطة تحول في العلاقات الإسلامية –الأمريكية في الاتجاه المعاكس للسنوات الثماني الماضية، بحيث تصبح علاقاتشراكة وتعاون وليس صدام ومجابهة. ولهذا الغرض استخدم كلمة "بداية جديدة"أكثر من مرة للتأكيد علي رغبته في طي صفحة الماضي وتأسيس مرحلة جديدة منالعلاقات العربية والإسلامية – الأمريكية علي أسس واضحة. أما الأمر الثانيفهو تحسين الصورة الأمريكية في العالم الإسلامي، وباعتقادي أن أوباما قدنجح بالفعل جزئياً في هذا الصدد، وهو ما يمكن اختباره من ردود الأفعالالإيجابية تجاه الخطاب، ورغبة كثيرين في أن تتحول كلمات الخطاب إلي سياساتلتغيير الأوضاع علي الأرض.
إذا الخطاب حقق أغراضه، عليالأقل من وجهة نظر صاحبه، الذي كان يهدف إلي امتصاص غضب المسلمين والعربمن سياسات سلفه، ويعيد تعريف العلاقة بين الولايات المتحدة والعالمالإسلامي من منظور إيجابي.
ما سكت عنه الخطاب
برغم شمولية الخطابومفرداته المتزّنة، إلا أنه لم يخل من مساحات للغموض وعدم الوضوح قد تدفعبالكثيرين إلي التقليل من أهميته أو تأويله بطريقة سلبية. فعلي سبيلالمثال تحدث أوباما بشكل واقعي ومتوازن عن المأساة الفلسطينية وعن رغبتهفي قيام دولة فلسطينية، ولكنه لم يضع جدولاً زمنياً لإمكانية الوصول إليهذه الدولة الموعودة وهو ما يطرح علامة استفهام كبيرة حول فرص قيام هذهالدولة. كذلك لم يتعرض الخطاب للقضايا النهائية في الصراع الفلسطيني –الإسرائيلي كالحدود والمياه واللاجئين، وإن كان قد أشار إلي القدس بشكلعابر ومتوازن حين قال بأنه يجب أن تكون مكاناً لجميع الديانات الإبراهيمية.
كذلك لم يشر الخطاب إلي أيةمبادرة أمريكية فيما يخص السلام في الشرق الأوسط، وكيف سيتحرك أوباما تجاهأطراف الصراع، خاصة الطرف الإسرائيلي الذي كان في حالة قلق واستنفار مماقد يقوله أوباما للمسلمين والعرب في خطابه.
وأخيراً لم يتضمن الخطاب أيسقف زمني للانسحاب من أفغانستان، بل أشار الخطاب ضمناً إلي إمكانيةاستمرار الحرب في أفغانستان وبقاء القوات الأمريكية حتى الانتهاء من أخرعضو في حركة طالبان أو تنظيم القاعدة.
لمن تحدث أوباما؟
لم يكن خطاب أوباما موجهاً،وعلي عكس ما قد يُفهم، للمسلمين والعرب فقط، وإنما أيضا لكافة الأطرافالأخرى المعنية بالعلاقة بين المسلمين والولايات المتحدة خاصة الشعبالأمريكي وإسرائيل. وإذا كان أوباما قد تحدث بصراحة في كثير من القضاياالتي تهم المسلمين، فقد كان يراعي ردود أفعال الإسرائيليين والأمريكيين.لذا فقد شمل الخطاب كافة هذه الأطراف. فهو تحدث للعرب والمسلمين، كما فعلللإسرائيليين واليهود، والشيعة والسنة، والأفارقة والأقباط وأهل دارفور.لذا فهو كان يسعى لإرضاء كافة الأطراف من خلال خطابه، وباعتقادي أنه نجحفي ذلك إلي بعيد. وكأنما كان يوّزع سحراً على الجميع. فمن جهة لم يخذلأوباما الفلسطينيين سواء في حقهم في العيش بكرامة، أو في الحصول علي حكومةمسئولة ودولة مستقلة. ومن جهة أخرى عرج علي التراجيديا اليهودية وما حدثللإسرائيليين لقرون طويلة، وحقهم في الوجود. ومن جهة أخيرة توجه لشعبهوطالبه بضرورة تغيير صورته النمطية عن الإسلام والمسلمين.
وفي ثنايا حديثه للعربوالمسلمين لم يغفل طرفاً، فتحدث عن الأقليات الدينية والعرقية كالشيعةوالأقباط، وطالب بإنصاف المرأة ومساواتها مع الرجل، ولمس الوتر المشدودبين السنة والشيعة، وعرج علي اهتمامات ناشطي حقوق الإنسان والمدافعين عنالديمقراطية فوجه لهم رسالة ضمنية بعدم التخلي عن دعم الديمقراطية فيالعالم الإسلامي.
بين الأقوال والأفعال
بوجه عام لا جديد أتى بهالرئيس أوباما في خطابه سوى التأكيد علي ما قاله مراراً سواء خلال حملتهالانتخابية أو بعد توليه السلطة. بيد أن الجديد هو أن أفعال أوباما قدسبقت أقواله، وذلك علي عكس ما قد يري كثيرون. ويمكن الإشارة إلي ثلاثملفات رئيسية شهدت تحولاً جوهرياً عن مواقف الإدارة الأمريكية السابقة.أولها ما يتعلق بإيران، فقد دعا أوباما صراحة إلي ضرورة الانفتاح عليالنظام الإيراني وإجراء حوار دبلوماسي مع الإيرانيين، وذلك من أجل قطيعةاستمرت ثلاثة عقود وقد كرر دعوته لها في خطابه الذي ألقاه في جامعةالقاهرة. ثانياً أن أوباما قد قرر بالفعل الانسحاب بالعراق خلال عام ونصفوهو ما سيحدث بداية من يوليو المقبل. ثالثاً أن أوباما قرر إعادة الزخمللصراع العربي – الإسرائيلي باعتباره حجر الزاوية في المنطقة العربية، وقداعترف صراحة بأن حل الصراع يمثل مصلحة قومية أمريكية في حين تبدو مواقفهمن إسرائيل، خاصة في قضية المستوطنات وإقامة دولة فلسطينية، أمراً مغايراًتماماً لسلفه بوش.
والخلاصة أن أوباما حاول فيخطابه أن يكسب القلوب والعقول في العالم الإسلامي وذلك خلال خمسين دقيقةفقط، وفي النهاية سيظل التاريخ حكماً عليه وعلى وخطابه، وما إذا كانصادقاً أم أنه كان ينثر سحراً؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق
شارك برأيك